وذكر فضيلة الشيخ في مقدمة كلامه أن القرآن في كلياته وضع قاعدة جامعة مانعة في إصلاح المجتمع، تجلت في قوله تعالى:(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) الرعد:11. هذا التغيير الذي هو سنة كونية إلهية، (فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا) فاطر: 43
وأصل ذلك أن الإنسان إذا أقدم على إصلاح باطنه، انعكس ذلك على ظاهره (أسرته، محيطه....)، وإذا أهمل ذلك الباطن، فلن يكون هناك إصلاح، هذا الباطن الذي هو كناية عن القلب (ألا وان في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)
وأشار إلى الفيلسوف الوجودي الفرنسي جون بول سارتر الذي فطن إلى هذه المسالة، وخاطب الأحزاب التي ترنوا إلى الإصلاح وقت الانتخابات، لكن سرعان ما يدب اليها الفساد حين تصل إلى السلطة، وتحل قومها دار البوار، بسبب عدم إصلاح القلوب.
في مقابل ذلك أعطى نموذج الإمام الغزالي رحمه الله صاحب الإحياء، الذي أشار منذ وقت مبكر إلى أن القلب ملك، والجوارح جنوده، فبصلاح الملك(القلب) يصلح الجنود(الاعضاء الجوارح) هذا القلب الذي يرمز إلى النفس التي نحن مطالبون بتزكيتها، انطلاقا من قول الله تعالى:(قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها) الشمس:9، 10
فالتزكية هي المقصد الاعظم من بعثة الانبياء وإنزال الكتب، إلى جانب التعليم(هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم) (الجمعة: 2.) لذلك نجد -كما ذكر فضيلته- أن وزارات التعليم في بلدنا كما في بقية البلدان توصف بوزارة التربية اولا والتعليم، وبين حفظه الله حقيقة التزكية وجوهرها المتمثل في التخلية والتحلية، التخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل، لأن هذه النفس إما نفس مطمئنة وإما نفس مريضة، وبين حفظه الله أننا في شهر رمضان، شهر القران والصيام، اللذان تحصل بهما التقوى، التي محلها القلب كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وأشار إلى قلبه ثلاثا، وبين جزاه الله خيرا أن الإنسان كفرد مطالب بتحصيل النفس المطمئنة، وذلك عن طريق المجاهدة والمحاسبة، عبر طريق طويل، وجهد جهيد من الذكر.... ولذلك نجد أهل التصوف والسلوك يشتغلون على هذا الامر لاصلاح النفس وتزكيتها.
ثم انتقل حفظه الله إلى المحور الثاني وهو تغيير المجتمع أو إصلاح المجتمع، وبين أنه لن يكون إلا بتظافر الجهود، والعمل على ممارسة الفرد دوره في المجتمع في الإصلاح وزكى فضيلته كلامه، بما ورد في خطبة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه في تبيان معنى الآية(يا أيها الذين آمنوا عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم) المائدة: 105. وقول إحدى الصحابيات انهلك وفينا الصالحون فقال صلى الله عليه وسلم" نعم إذا كثر الخبث".
وبين فضيلة الدكتور مشكورا: أن الإصلاح مانع للهلاك، أما الاقتصار على الصلاح في ذاته فهو مطية إلى الهلاك والدمار، وشاهد ذلك: أن جبريل عليه السلام لما أمره الله أن يدمر قرية رغم وجود العبد الصالح فيها، لأنه الف المنكر ولم يهتز ولم يسع لتغييره.. وأعطى أيضا مثال السفينة التي أصاب قوم أسفلها وقوم أعلاها، وما كان من همِّ بعضهم بخرقها، فلو تركهم الاخرون لهلكوا جميعا، والسفينة ماهي الا كناية عن المجتمع.
وختم جزاه الله خيرا محاضرته بوجوب ممارسة الفرد عملية التغيير في ذاته ومجتمعه لتحقيق المقصود الرباني في الكون.
تقرير ذ. أبو بكر الكركري.