نظم مركز مناهل للدراسات والأبحاث وإحياء التراث لقاء علميا حول: موضوع: مركزية القيم في القرآن الكريم وأثرها في تفكير الإنسان. أطره فضيلة الدكتور محمد شهيد الذي بين أن موضوع القيم هو موضوع قديم وجديد في الوقت نفسه، وأن مسألة القيم ليست ترفا فكريا، إنما هي أمر جوهري في بناء التفكير الإنساني.

وانتقل فضيلته إلى الحديث عن القيم في الثقافة الإسلامية التي تأسست عليها الحضارة الإسلامية، فمن أوائل ما نزل من القرآن الكريم مطلع سورة العلق الداعي إلى العلم، ثم مطلع سورة المزمل الداعي إلى تزكية النفس وتطهيرها مع وجوب تحمل المسؤولية، أما مطلع سورة المدثر ففيها إنذار وتطهير من الرجز والدعوة إلى الصبر، بينما مطلع سورة القلم قد أشار إلى الخلق العظيم، فكلها آيات إذن تؤسس لحضارة مبنية على العلم والأخلاق، عكس السياقات التي نشأت فيها باقي الحضارات، كما أن القيم في السياق الإسلامي يربطها الله بزوال الطغيان، بل إن كل أبواب الفقه الإسلامي في بداياتها ليست عبثا إنما تريد أن تؤسس للأخلاق.

ثم أبرز فضيلة الدكتور محمد شهيد أثر فلسفة القيم في الثقافة الإسلامية من خلال أخلاقيات الجهاد، وأيضا في فلسفة العلم، ومثل لذلك باكتشاف الصابون من أجل الطهارة، واكتشاف الاسطرلاب لتحديد القبلة.

أما في الثقافة الغربية، فأوضح أن فلسفة الغرب مؤسسة على فلسفة الأساطير السائدة آنذاك في الحضارة الإغريقية واليونانية، ومؤسسة كذلك على فلسفة العلمانية الداعية إلى إبعاد الدين عن الحياة، وعلى فلسفة الحداثة التي لا تعني العصرنة، إنما هي تفكير فلسفي يقطع مع السماء والوحي، كما تأسست فلسفة الغرب أيضا على السياسة والاقتصاد للسيطرة على الشعوب وممتلكاتها، ومن طبيعتها إنتاج الاستشراق من أجل السيطرة والسيادة وإذلال الشعوب والتهافت على الاستهلاك واللهث وراء الجديد، فالعلم عند الغرب يخدم مخططات الاستعمار وليس مبنيا على القيم كما يتشدقون بذلك.

ثم ختم مداخلته بخلاصة قيمة مفادها أن القيم التي يروج لها الغرب ماهي إلا قشور خداعة وأن النهوض أساسه القيم والأخلاق، كما أن تسويق القيم الإسلامية سبيل إلى نشر الدعوة الإسلامية في أرجاء المعمور.

 وقد شكر السيد المسير ذ حمزة بوعلالة فضيلة الدكتور محمد شهيد على محاضرته الماتعة، وأعطى الكلمة لفضيلة الدكتور إدريس بوحوت الذي نوه بالدكتور محمد شهيد وبالجهود المبذولة من طرف مركز مناهل، ودعا بداية إلى ضرورة تدقيق النظر في الفرق بين القيم والأخلاق، فالقيم هي كل ماله قيمة، فهي أشمل من الأخلاق، والقيم ذاتية ومتعددة، منها ما هو مرتبط بالشخص نفسه، والأخلاق قد تكون حسنة وقد لا تكون، ثم تحدث عن القيم والعلمية من خلال قوله تعالى :﴿فاعلم أنه لا إله إلا هو﴾ فلا نصل إلى القيم بدون أسس ومرجعيات، ولا نصل إلى توظيفها بدون معارف، فالمبدأ في توحيد الله هو العلم.

 وأوضح أن من يتحدث عن القيم كموضة منفصلة عن مرجعياتها فهو يتحدث عن طيف وسراب، فالانطلاق من الأحكام تعد مرتكزات من أجل قطف الثمار، ولا بد أن نجعلها متجلية في سلوكنا ومنغرسة في نفوسنا، فنوظفها ونستثمرها إذ لا قيمة للعلم بلا عمل.

   بعد ذلك بين أن القيم في الفلسفة الإغريقية واليونانية تأسست على الأساطير التي كانت في سياقها نماذج مفسرة ملائمة للعصر، ففي حديثهم عن العلل الأولى كان هاجسهم هو تفسير تعدد الكون بوحدة أصيلة. وأشار فضيلته أن المشروع الحداثي انطلق بعد النهضة مع ديكارت، ثم تحدث عن مسألة الضمانة الإلهية التي جعلت رواد النهضة يثورون على الكنيسة التي ادعت صكوك الغفران والوساطة مع الله، وعليه فالقيم في السياق الحداثي مقطوعة عن الوحي، كما في المدرسة السكولائية، بينما القيم في القرآن الكريم لها هندسة بديعة إذ يقدمها في شكل بنيوي منسجم فينطلق من مفهومها أو يحددها بالتضاد، أو يقدمها بالوسائل التي تتحصل بها، أو بالأوقات، أو بالمقارنات، وكذا باعتبار المتشبع بها أو المبتعد عنها.

بعد هذا التعقيب تقدم ذ حمزة بوغلالة  ليشكر الدكتور إدريس بوحوت وليعطي الكلمة للدكتور محمد شهيد الذي دعا إلى ضرورة الاتفاق على الخلل وتشخيص الأزمة، وإدراك أبعادها والانتقال إلى التنظير، وعدم التسرع إلى إيجاد الحلول.

وهكذا اختتم هذا اللقاء العلمي الدسم بتقديم عبارات الشكر والامتنان للدكتورين الجليلين من طرف مسير الجلسة ذ حمزة بوغلالة.



 

أحدث أقدم

ميزة جدول التنقل