بقلم: ذ. عبد الرحمان بودخيل
نظم مركز مناهل للدراسات والأبحاث وإحياء التراث ندوة علمية عن بُعْدٍ في موضوع " الأسرة في التصور القرآني: نظرات تأسيسية وقواعد منهجية في البناء الأسري"، وذلك يومه السبت 16 رمضان 1444هـ الموافق ل 8 أبريل 2023م.
تم افتتاح الندوة بآيات بينات من الذِّكر الحكيم، شنَّفت بها مسامع الحاضرين القارئة "آية أجري"، وسيَّرت فعاليات هذه الأمسية العلمية الأستاذة الكريمة " كوثر بوسمينة؛ عضو مركز مناهل، حيث رحّبت بالأستاذتين المحاضرتين... وبدأت الندوة بكلمة افتتاحية للدكتور" محمد ابجطيط " تم التنويه فيها باختيار موضوع الأسرة باعتباره موضوعًا راهنيًا يحتاج إلى تضافر جهود الباحثين لإثراء النقاش العلمي، وضبط مسارات الاجتهاد فيه، والتنويه كذلك بالأساتذة المؤطرين، وجودهم العلمية، التي تسمح لهم بخوض غمار البحث في هذا الموضوع.
المداخلة الأولى للدكتورة كلثومة دخوش
بعنوان: قضية الأسرة من خلال تأملات في قصة آدم والخلق الأول
تناولت الدكتورة الكريمة مداخلتها التي استهلتها بالتأكيد على أهمية الأسرة وأنها هي المنطلق لوجود الإنسان في هذه الأرض، مستشهدة بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا"[ سورة النساء آية:1]، وقوله سبحانه: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [النحل، الآية 72]
منبِّهةً على امتداد البناء الأسري في الزمان والمكان عموديًا وأُفُقيًا، وأن الاجتهاد في بعض الأحكام الأسرية لابد أن يُؤطِّره المقصد الوجودي للبناء الأسري، والنظر الكلي للأسرة، تحقيقًا للعمران والاستخلاف الإنساني، والاجتهاد في هذا المجال لا بد أن يصدر عن أهل التخصص، وينضبط بضوابط الاجتهاد الشرعية.
وفي المحور الخاص بمفهوم الأسرة، أشارت الأستاذة الكريمة إلى أن كلمة الأسرة في القرآن الكريم لم ترد لفظًا، بل وردت مفهومًا قويًا من حيث الدلالةُ، وإذا تأملنا الأصل اللغوي للكلمة، وجدنا أنها تنحذر من الجذر اللغوي «أسر»، ويدل على الإمساك والقيد... ومنه الأسير. وأسرة الرجل: عشيرته ورهطه الأدنون لأنه يتقوى بهم، والأسرة أيضا الدرع الحصين" ( ابن فارس، مقاييس اللغة، مادة [أسر]. الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، مادة [أسر]. ابن منظور، لسان العرب، [أسر].)
وعليه فالأسرة تحمل معاني الأسر والحبس والقوة والدرع المتين والرباط والتقيُّد بالمسؤولية والالتزام بالواجبات. وهي بالمعني الحديث:« الوحدة الاجتماعية المعروفة»، والأسرة تشمل ما دون العشيرة" (ابن حجر، فتح الباري) والأسرة _ حسب رشيد رضا في تفسير المنار _ قد يكون تحريفًا لفظ العاقلة وهم الأقارب الذين يتحمَّلون دية القاتل خطأً.
جاء في تفسير المنار: «...وإن ظاهر الآية أن الدية على القاتل، ولكن بينت السنة أن العاقلة هم الذين يدفعون الدية عنه، سواء كانت إبلا أو نقدا، وهم عصبته وعشيرته الأقربون - وتسمى العاقلة - الآن - العائلة بالهمزة وهو من تحريف العامة. وإنما جعلت السنة الدية على العاقلة لا على القاتل؛ لأن الخطأ قد يتكرر فيذهب بمال الرجل كله، ولأجل تقرير التضامن بين الأقربين، وإذا عجزت العاقلة من عصبة النسب عن دفعها جعلت في بيت المال، والله أعلم. (تفسير المنار، محمد رشيد رضا (ت 1354هـ) تفسير سورة النساء: الآية 92.)
وقد ورد لفظ الأهل في القرآن الكريم بمعاني: الأقارب والآل.. وضميمة أهل البيت تحمل معنيين:
√ الأول:
أ. معنى خاص ببيت النبوة ومنه قوله تعالى في سياق حديثه عن أهل إبراهيم عليه السلام: { رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ }[سورة هود، الآية 73]
ب _ معنى خاص ببيت أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }[ سورة الأحزاب، الآية 33]
√ الثاني عام: ويتمثَّل في قوله تعالى حكاية على لسان أخت موسى عليه السلام:{ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} [سورة القصص، الآية 12]
قصة بدء الخلق:
أول أسرة أُسِّست في الجنة، هي الرابطة الأولى التي جمع الله تعالى بها آدم مع حواء عليهما السلام، والقصة تم تفصيلها أكثر في سورتي " البقرة وآل عمران"
إن مقاصد بناء الأسرة التي ترتبط بالمقصد الوجودي الأول، تروم إطلاع الإنسان على منهج الحياة، الذي رسمه الله تعالى لأول لقاء أسري في الجنة بمباركة رب العالمين، الذي هيّأ أسبابه الشرعية، وبنى عليه تكاليف لم ترد على وجه الإلزام إلا بعد خلق حواء عليها السلام، للتأكيد على أن هذا التكليف يتحمَّله طرفَا هذا البناء الأسري، تحقيقًا لتحمُّل مسؤولية الاستخلاف والعُمران: { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}[ سورة البقرة، الآية 35].
لقد عرَّف الله تعالى آدم وحواء عليهما السلام بعدوِّها اللدود وهو الشيطان الرجيم { فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ [ سورة طه، الآية 117]، وقد وظَّف الشيطان مجموعة من وسائل الغواية سواء بالخلود والملائكية والسُّلطة: {فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّیۡطَـٰنُ لِیُبۡدِیَ لَهُمَا مَا وُۥرِیَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَ ٰ تِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّاۤ أَن تَكُونَا مَلَكَیۡنِ أَوۡ تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَـٰلِدِینَ وَقَاسَمَهُمَاۤ إِنِّی لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِینَ } [الأعراف 20-21]
وجاء الأمر الإلهي بالابتعاد عن الأكل من الشجرة قياسًا لمدى طاعتهما، فوقعَا معًا في الخطيئة، وتابَا معا، ومنه انتقل التحذير الإلهي إلى ذرية آدم بالحذر من غوايات الشيطان اللعين: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ }[ سورة الأحزاب، الآية 27 ]
إن الأسرة بناء متماسك مؤسس على أركان ثلاثة: عقدية_ عُمرانية_ استخلافية... ومؤسسة الأسرة يُفترُض أن يكون طرفاها على توافق وانسجام وتحمُّل للمسؤولية فيما يفعلون: فآدم وحواء _ عليهما السلام _ أكلاَ خطأ معا، توافقًا: لحرية الاختيار.
ثم بعد ذلك تابَا معًا توافقًا: للرشد والعودة إلى جادة الصواب.
وأحكام الزواج في الإسلام قائمة على المودة والرحمة، حتى في النزاع هناك ضابط لا بد من مراعاته : { الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [ سورة البقرة، من الآية 229 ]
إن الأسرة تؤطرها ثلاثية: الاستقرار والاستمرار والاستثمار، بل حتى الطلاق والإنفاق بعد الفراق مؤطران بالتقوى.
وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم تجلَّت هذه المعاني بشكل دقيق، و في سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم تم التأسيس لقيمة المسؤولية في بيت الزوجة، والمسؤولية مرتبطة بالسؤال: الجزاء والعقاب، وقيمة التقوى تتعاضد وتتضافر مع المسؤولية لترشيد القوامة من الرجل {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [ سورة النساء، من الآية 34]
والحافظية من المرأة: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [سورة النساء، من الآية34].
مصطلحات قرآنية
الأبوة - والبنوة - والأخوة.
عند إطلاق لفظ الآباء يُقصد به الأمهات أيضا، ونفعُ الآباء والأبناء متبادل:{ {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا [ سورة النساء، الآية 11].
الوالدية والوالد
فالأم والدة، والأب مولود له، والولد مولود...
الواجبات المتبادلة
الإحسان إلى الآباء، والرفق بالأبناء، وصلاح الآباء يثمر للأبناء الصلاح والبركة في الرزق : ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾....﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ قيل: كان اسمه "كاسح"، وكان من الأتقياء، قال ابن عباس: حُفِظا بصلاح أبويهما، وقيل: كان بينهما وبين الأب الصالح سبعة آباء.
التوازن بين الحق والواجب
الانسان لا يمكن أن يعدل في بناء الأحكام الأسرية، ولذلك تكفَّل الله تعالى بهذا الأمر، وتولّى بنفسه بناء هذه الأحكام.
إن الاجتهاد الأسري لا ينبغي أن ينطلق من فراغ، بل لا بد من طرق بابه من منطلق استخراج هداية أحكام الأسرة، من خلال التصور القرآني، واستحضار مقاصد الوجود الأول، وأن يتم مراعاة الأهلية وشروط وضوابط الاجتهاد.
المداخلة الثانية للدكتوره مونية الطراز
بعنوان: قواعد البناء الأسري في ضوء مقاصد الوجود ومقاصد الشهود
قدَّمت الدكتورة مونية في مستهل مداخلتها رأيها حول الاجتهاد في المجال الأسري، والسياقات الدولية التي تحاول في غالبها خلخلة هذا البناء الهش أصلا، بسبب هشاشة القوانين المؤطرة لهذا المجال الاجتماعي، ذلك أن الأسرة في عصرنا الحاضر، لم تعد على النمط التقليدي السابق، بل صارت تعرف عوائد جديدة، بسبب العولمة الذي جاءت معها بوابل جارف من وسائل التواصل التي جعلت العالم قرية صغيرة. وهذه العادات الجديدة، منها ما هو مقبول، وعلى الفقه أن يباشره ويضبطه، ومنها ما هو مرفوض جملةً وتفصيلاً.
ومن العناصر التي تناولها الأستاذة الكريمة في مداخلتها:
- أن البناء الأسري يتأسَّس على قواعد وأركان، بهدف إقامة العمران.
وفعْلُ البناء: يُقصد به التأسيس والتشييد، والتشييد كما يكون في العمران الحجري وهو أسهل، يكون كذلك في العمران البشري وهذا أمر ليس بهيِّن، فبناء الإنسان أولى من بناء العُمران.
- هناك مقاصد عامة وكليات كبرى للبناء الأسري، والبناء الشرعي لابد أن يُؤسَّس عليها.
فالأسرة ينشئها طرفان يجمع بينها عقد وميثاق غليظ، ولابد من مراعاة طبيعة النسق الذي يريد الزوحان بناءه على أساس مراد الله تعالى تفاديا للانحلال والتفكُّك.
فمصالح الأسرة تتحقَّق بحفظ الضرورات الخمس: الدين، النفس، العقل، المال، النسل، وهذه قضايا جوهرية على الأسرة الإلمام بمدى أهميتها وخطورة التفريط فيها.
- الأسرة وتحقيق الشهود الحضاري: { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ }[ سورة البقرة، الآية143 ]
{ لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ }" لِتكونوا: لام التعليل، ولفظ الشهود يعني الوسطية والحفظ.
والشهود يخص المؤمنين الذين يحملون هداية العلم إلى الناس أجمعين " _ كما يقول الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى_.
- نظام الزوجية: يُعَدُّ أول لبنةٍ في الوجود الإنساني، من التأسيس إلى الفراق، بالموت أو الطلاق، لذلك لابد من:
حُسن اختيار الزوج/الزوجة
بالرجوع إلى قصه موسى عندما حَلّ بأهل مدين نجد أنه ظهر خُلق الحياء من المرأة، وخُلق القوة والأمانة من الرجل: موسى عليه السلام.
وهكذا يتضح لنا أن الزواج مؤسس على السكن العاطفي والمودة والرحمة، تفاديًا للنشوز. والزوجان خُلِقَا من نفس واحدة، الأصل الذي يوجد التوافق بينهما، وكلاهما مسؤولان في حفظ كيان الأسرة، مع مراعاة واجب المعاشرة بالمعروف: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء: 19].
{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [ سورة البقرة، من الآية 228]
﴿فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَیۡرَهُۥۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِمَاۤ أَن یَتَرَاجَعَاۤ إِن ظَنَّاۤ أَن یُقِیمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ یُبَیِّنُهَا لِقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة :230]
" هذه الأوامر والنواهي هي حدود الله .... فلا تتعدوا حدود الله.....والظلم آفة العمران، وظلم الأزواج للأزواج هو أخطر من ظلم الحُكَّام ... الشيخ محمد عبده _ رحمه الله تعالى_
والزوجية تُسهم في تمديد روابط المصاهرة والنسب أفقيا وعموديا( الأسرة الممتدة)، الأمر الذي يُثَبِّتُ حفظ متانة الأسرة، واستبصار حقيقة الاجتماع البشري.
- الزواج وسيلة لاستمرار النسل، والأسرة وسيلة لتمرير القيم والتربية على الأخلاق الفاضلة، والزواج ليس فعلاً ميكانيكيا، بله وسيلة لبناء الأمة.
خاتمة
حين غيّبنا المعاني السابقة التي تتجلى في مراعاة المقصد الوجودي الأول للبناء الأسري، ظهرت الطامَّات الكبرى، التي تكاد تعصف بكيان مؤسسة الأسرة، إذًا لابد من تقوية الرابطة الزوجية داخل الفضاء الأسري، حتى تبقى الأسرة وحدة متراصَّة.
ومن وسائل استمرارها: تحقيق التكافل والتراحم والتعاون والاعتراف بالفضل { وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}[ سورة البقرة، من الآية 237]
فهذه قاعدة أخرى في مسرد موضوعنا الممتد: (قواعد قرآنية)، وهي قاعدة سامقة الفروع، باسقة الجذوع؛ لأنها من القواعد السلوكية التي تدل على عظمة هذا الدين، وشموله، وروعة مبادئه، إنها القاعدة التي دلّ عليها قوله تعالى:{ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} ، وهذه الآية الكريمة جاءت في سياق آيات الطلاق في سورة البقرة، يقول تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [سورة البقرة، من الآية 237]
والمعنى: أن الله تعالى يأمر من جمعتهم علاقة من أقدس العلاقات الإنسانية ـ وهي علاقة الزواج أن لا ينسوا في غمرة التأثر بهذا الفراق والانفصال ـ ما بينهم من سابق العشرة، والمودة والرحمة، والمعاملة.
إن بناء الأسرة على مقاصد الوجود الأول ابتداء، ومقاصد الشهود الحضاري غايةً، لا ينبغي حصره في جانب التنظير، بل لابد أن يتعدَّى ذلك إلى المستوى العملي، للسير بسفينة الأسرة إلى بر الأمان، حفظًا لها من العواصف الإديولوجية المقيتة والأجندات المشبوهة التي تحاصرها من هنا وهناك.
والسلام عليكم ورحمه الله تعالى وبركاته.