بقلم: ذ. عبد الحكيم خلفي- ذ. إسماعيل بومهدي
بمناسبة ذكرى عيد العرش المجيد وذكرى ثورة الملك والشعب، نظم مركز مناهل للدراسات والأبحاث وإحياء التراث بشراكة مع جمعية الحكمة للتنمية والأعمال الخيرية والمجلس البلدي لمدينة العروي ندوة علمية تحت عنوان: مؤسسة إمارة المؤمنين بالمغرب: الخصوصية والاستمداد
وذلك يومه السبت 19 غشت 2023م، على الساعة الخامسة والنصف عصرا، برحاب المركب السوسيو ثقافي بالعروي.
وقد تضمن برنامج الندوة مجموعة من الفقرات، التي جاءت على الشكل الآتي:
الجلسة العلمية الافتتاحية الأولى
فبعد الافتتاح بآيات بينات من الذكر الحكيم، والاستماع إلى النشيد الوطني، قام رئيس الجلسة الافتتاحية الأولى الأستاذ عمر البوستاوي بإحالة الكلمة إلى ممثل جمعية الحكمة للتنمية والأعمال الخيرية الأستاذ نور الدين فرحاوي، الذي نوه بالجهود المبذولة من أجل عقد هذه الندوة، ومجزلا الشكر للأطراف التي أسهمت في هذا العمل، ومبرزا الأهمية التي يكتسيها موضوع الندوة، لينقل المسير الكلمة بعده للأستاذ محمد أبجطيط رئيس مركز مناهل للدراسات والأبحاث وإحياء التراث، والذي تناول الحديث عن أهمية وهذه الندوة ومميزاتها، وذلك من عدة جوانب. لتحال الكلمة إلى مندوب المقاومة وأعضاء جيش التحرير السيد سعيد طبازة، والذي وقف مع محطات من أحداث ثورة الملك والشعب والتي تكشف عن اللحمة الوطنية والجهاد المشترك بين الملك وشعبه.
الجلسة العلمية الثانية
فبعد الجلسة الافتتاحية، انعقدت الجلسة الثانية العلمية، التي
قام الأستاذ خالد أزذاذ بمهمة تسييرها، وبعد تعريف موجز بالمتدخل الأول أحال
المسير الكلمة إلى الدكتور أحمد خرطة، الذي تناول موضوع: خصوصية إمارة المؤمنين في
الأمن الروحي للمغاربة، وقد استهل كلمته بالحديث عن السيرورة التاريخية لمصطلح
إمارة المؤمنين، أو أمير المؤمنين منذ ظهوره أول مرة في عهد عمر بن الخطاب، وهو
المصطلح الذي انقطع ذكره في المشرق منذ زمن الأمويين إلى زمن الدولة العثمانية
ليحل محلها مصطلحات أخرى مثل الخليفة، لينتقل المحاضر إلى بيان سيرورة هذا مصطلح
في المغرب، منذ العصر الإدريسي مرورا بالعصر المرابطي، الذي شهد توسعا كبيرا في
عهد يوسف بن تاشفين، الذي اقترح عليه العلماء أن يتسمى باسم أمير المؤمنين فرفض،
واكتفى بلقب أمير المسلمين، ليظهر مصطلح أمير المؤمنين مرة أخرى في العهد الموحدي
والعهد المريني، وكذا في العهد السعدي مع أحمد المنصور الذهبي الذي تسمى بخليفة
المسلمين وبأمير المؤمنين، ومع قيام الدولة العلوية الشريف مع مولاي علي الشريف،
الذي تلقى البيعة من أهل فاس، ولقب بأمير المؤمنين ثم بعده المولى إسماعيل، وبعد
هذه السيرورة التاريخية انتقل الأستاذ خرطة إلى بيان خصوصية إمارة أمير المؤمنين: والتي
منها أن البيعة في المغرب تصاغ بشكل كتابي ولا تكون بشكل شفوي كما هو الشأن في
المشرق، وذلك من العلماء والفقهاء القضاة، ومن رؤساء القبائل والأشراف والأعيان،
وكانت إمارة المؤمنين تقوم على أساسين: البيعة وهي إعطاء العهد بالولاء والطاعة
بين الحاكم والمحكوم، وأن هذه البيعة تكون من أهل الحل والعقد الذين يمثلون الأم.
لينتقل بعدها المحاضر إلى ذكر بعض مقاصد إمارة المؤمنين والتي منها
حفظ الأمن الروحي، حيث أكد ذلك لا يعني
فقط حفظ الجانب الديني، بل إنه يشمل جوانب أخرى متعددة من حفظ النفس والدين والعرض
والمال والعقل، وقد وقف عند مجموعة من مظاهر هذا الأمن الروحي، كالأمن الديني والأمن
القضائي والتشريعي والحفاظ على وحدة المذهب، وكذا الأمن العقاري وصيانة الأوقاف،
والأمن والسلم الاجتماعي، وغير ذلك.
وبعد هذه المحاضرة أحال السيد مسير الجلسة الكلمة إلى الدكتور
الميلود كعواس، الذي كانت مداخلته تحت عنوان: مقاصد الإمامة العظمى في الفقه
المالكي، وقد استهل كلمته ببيان المقصود بمصطلح الإمامة العظمى، وقد ذكر في ذلك
مجموعة من التعاريف، كتعريف الماوردي، وعضد الدين الإيجي، وابن خلدون، وهي
التعاريف التي تجمع في هذه الإمامة بين الدين والدنيا، وهو ما يعد من خصائص
الإمامة في الإسلام، وقد أكد على أن الحديث عن الإمامة العظمى هو حديث مرتبط
بالشريعة والدين وهي تعني كل مسلم، وهي أعظم واجبات الدين، وقد جرت العادة عند العلماء
أن يتحدثوا عن الإمامة العظمى في كتب العقيدة رغم كونها من فروع الفقه، للدلالة
على أهميتها في حفظ الدين والدنيا، وقد عرج الأستاذ كعواس للحديث عن مجموعة من
مقاصد الإمامة العظمى، وأول هذه المقاصد حراسة الدين وإقامته، وهو أول ما نص عليه
العلماء، وذلك من خلال حفظ مؤسساته وتوفير الموارد المالية والبشرية في ذلك، ودفع
الشبهات المثارة حوله والرد عليه، ونشر الدين والدعوة إليه. ثم مقصد جمع الكلمة
وتوحيد الصف، وهو ما يعد سنة عند جميع المخلوقات، كما أنه يعد من الواجبات العقلية
قبل أن يكون واجبا شرعيا، ثم مقصد إقامة العمران وسياسة الدنيا، والسهر على عمارة
الأرض تحقيق التنمية على مختلف الصعد، وتوفير الأمن الغذائي والصحي والاجتماعي
والخدماتي، وغير ذلك.. ثم مقصد حماية البلاد وضمان أمن العباد، وهذا من الواجبات
الشرعية كما ذكر الجويني، وهو ما يصطلح عليه الآن بوزارة الدفاع أو بوزارة الحرب،
لذا لا يكون إعلان الجهاد إلا من الإمام الأعظم. ثم مقصد تدبير الاختلاف، وذلك إما
في حال وقوع الاختلاف والتنازع بين الناس، فيكون الاحتكام إلى الإمام الأعظم لحسم
الخلاف، أو يكون قبل وقوع الاختلاف والتنازع، فيحسم قبل ذلك، لذا كان للمغرب
اختيارات تمنع هذا الخلاف، وهي المتمثلة في العقيدة الأشعرية والفقه المالكي وتصوف
الجنيد وإمارة المؤمنين. ثم مقصد العدل الذي يعد أساس العمران كما يقول ابن خلدون،
وفي سبيل ذلك كان القضاء للفصل في الخصومات وإنصاف الناس، وإخراج القوانين المؤطرة،
والقيام على العدل الاجتماعي، ويوجد في كتب الفقه الإسلامي والسياسة الشرعية
والأحكام السلطانية ولايات، منها ولاية القضاء، وولاية الجرائم، وولاية الحسبة وولاية
المظالم.
وبعد هاتين المداخلتين قامت اللجنة المنظمة بتوزيع الشواهد على
الأساتذة المؤطرين، وعلى الطلبة الباحثين، وكان الختم بالدعاء الصالح من الأستاذ
عمر البوستاوي، ليُقدم بعد ذلك حفل شاي على شرف الحضور.