أولا: بيانات الكتاب
عنوان الكتاب: " مقالات في المنهج "
اسم الكاتب: الدكتور المصطفى الوضيفي
عدد الصفحات: 132 صفحة.
الناشر: المطبعة والوراقة الوطنية
الداوديات_مراكش.
رقم الطبعة: الطبعة الأولى 2008.
ثانيا: مقدمة
يتعدد الحديث عن
المنهج باختلاف العلم التي يتناوله، بحيث يختلف من علم إلى آخر، فالمنهج في العلوم
الإنسانية والاجتماعية، ليس نفسه في العلوم الشرعية، بل إنه يختلف داخل العلوم
الشرعية نفسها، ولعل هذا الاختلاف هو ما دفع بالدكتور المصطفى الوضيفي إلى تأليف
هذا الكتاب موضوع القراءة في هذا المقال..
ثالثا: محتوى
الكتاب.
تضمن
الكتاب مقدمة و عشر مقالات خصص منها ست لمدارسة المنهج الأصولي، أما المنهج
التاريخي فقد اعتمد عليه بشكل لافت في دراسة موضوع جدلية العالم والسلطان، بينما
ظهر المنهج الذوقي أو الصوفي في المقارنة بين منهجين صوفيين لثائرين أحدهما من
الأندلس وهو ابن قسي و ثانيهما من تركيا وهو النورسي، وسيأتي تفصيل ذلك عند الحديث
عن كل مقالة على حدة ...
المضمر
في قاعدة لا اجتهاد مع النص[1]
عدم كفاية دراسة هذه القاعدة بالشكل الذي يجعلها منسجمة مع القواعد الأصولية، ثم إشكال محل إعمال القاعدة هل هو انعدام التأويل مع النص وسقوط الاجتهاد مع النص؟
و من
هنا تظهر المضمرات التي تظهرها القاعدة
وذلك في أربعة محاور:
الأول
يناقش حالة النص الوارد في القاعدة إذا كان
القصد منه الكتاب فهو محل للاجتهاد لاحتماله التأويل وأيضا لاحتماله النسخ في
العرف الأصولي، إضافة إلى أن للنص دلالة ثانية أكثر احتمالا من الدلالة الظاهرية
الأولى.
أما
المحور الثاني فيسائل اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم بين نفاته ومثبتوه، فالفريق
الأول يرى منع اجتهاد النبي صلى الله عليه
وسلم لأنه سئل عن أشياء وتوقف فيها ينتظر الوحي، وأن اجتهاده يتعارض مع قول الله
تعالى " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى"، علاوة على أن النبي صلى
الله عليه وسلم غير متعبد بالاجتهاد لأنه قادر على استكشاف الحكم بالوحي الصريح[2]،
واعترض على أدلة هذا المنع بالقول إن انتظار النبي صلى الله عليه وسلم للوحي راجع
إلى كونه "لم ينقدح له اجتهاد أو حكم لا يدخله الاجتهاد"[3]،
كما أن اجتهاد النبي ليس من الهوى، بل هو من الوحي، إضافة إلى أنه يجب التمييز بين
قول إمكان النص ووجود النص، إذ المانع من الاجتهاد وجود النص لا إمكانية وجوده[4]
، هذا مع أن اجتهاد النبي حكم باليقين القاطع لخاصيتين الأولى أن اجتهاده يختلف عن
اجتهاد المجتهدين[5]،
والثانية أن اجتهاد النبي يقيني لعصمته صلى الله عليه وسلم. والفريق الثاني وهم
الذين أثبتوا اجتهاد النبي بالنص والعقل، فمن القرآن الكريم عموم قوله تعالى
(فاعتبروا يا أولي الأبصار) الحشر 2 فاندرج في الآية من جهتين عموم الأمر
بالاعتبار ثم كون النبي أكثر اطلاعا وبصيرة من غيره، كما جوزوا اجتهاد النبي بناء على قوله تعالى (لتحكم
بين الناس بما أراك الله) ثم إقرار الله تعالى لداوود وسليمان على حكمهما
بالاجتهاد[6]،
أما السنة ففيها دلالة واضحة على اجتهاد النبي يظهر في سؤال الصحابي له حول الحج
كل عام، كما روى الشعبي أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقضي القضية وينزل القرآن
بعد ذلك بغير ما كان قضى به، فيترك ما قضى ويأخذ الحكم القرآني وهذا دليل على اجتهاده[7]،
وبالعقل استدلوا عليه بأن ممارسة الاجتهاد أشق من العمل بالنص، وبالتالي كان النبي
أولى به من غيره، كما أن ممارسة الاجتهاد أدل على الفطانة من العمل بالنص،
والقضايا تبتغي الحكم العاجل وانتظار النص يؤخر القضاء والفصل وهذا ممتنع في
التشريع الإسلامي[8]، فإن كان
المانعون لاجتهاد النبي واجتهاد الصحابة في حضرته لأنه يمثل النص فإن المنصفين
اعتمدوا اجتهاده بعد تحقق الخوف من فوات زمان الحادثة و أوجبوا الاجتهاد له بالقياس
والبحث في مراد دلالات الألفاظ وترجيح بعضها على بعض، وأيضا في الاجتهاد في
الاستدلال بالنصوص على مراد الله تعالى[9].
المحور
الثالث في مبحث التعارض والترجيح الذي كثرت فيه أمثلة تفيد تجاوز قاعدة "لا
اجتهاد مع النص" إما لجهل المجتهد بالنص أو لأخذه بالمصلحة في باب المعاملات
لا العبادات المتوقفة على النص، و في حالة اختلاف النص مع المصلحة مع عدم إمكان
الجمع بينهما قدمت المصلحة بناء على كون المصالح محل وفاق عكس الإجماع، ثم كون
النصوص مختلفة متعارضة وهي سبب الخلاف في بعض الأحكام[10]،
كما يقدم القياس على الخبر عند عدد من الفقهاء لكون الأخير ورد لتحصيل الحكم،
والقياس متضمن للحكمة، فيقدم على الخبر وهو حجة في الدنيويات اتفاقا[11]..
المحور
الرابع تناهي النصوص حيث تخفي قاعدة "لا اجتهاد مع النص" موقفا مخالفا
لما يعتقده بعض الفقهاء، فالقاعدة بإطلاق
مفهومها المخالف تثبت محدودية النصوص الشرعية، وهي دعوى تناقض موقف بعض الفقهاء
الذين يرون بكمال الشريعة ومنهم ابن حزم الذي اتخذ موقفا شكليا من الاجتهاد[12]،
ومربط القول هنا أن القاعدة لا ينبغي أن تدرس خارج تاريخ التشريع لتبقى في مفهومها
الحقيقي وقد دل على ذلك ما سبقت الإشارة إليه من اجتهاد النبي والصحابة، وتقديم
الاجتهاد على النص عند بعض الفقهاء، وخفاء النصوص عن بعضهم عند الاجتهاد.
المنهج
الأصولي بين القول بالتجريد والتأثير العقدي
ابتدأ
بالإشارة إلى مفهوم المنهج واشتراكاته اللغوية مع ذكر بعض النماذج الذين اعتبروا
الأصول علما تجريديا، ومن سلبيات هذا الإطلاق: فصل المناهج عن مواضيعها وفصل
المنهج عن اللغة التي نشأ وتأثر بها ، "قولبة" الأصول في اصطلاحات
يونانية أو رياضية حديثة، ثم فصل المادة الأصولية عن المادة العقدية التي تولدت
فيها[13]
وقد مثل لذلك بمثالين مهمين الأول قضية الحد في الدراسات اليونانية تعتمد في حد
الحد على وصف الشيء وصفا ذاتيا وجوهريا، الأمر الذي رفضته الدراسات الإسلامية لارتباط
الحد الأول بالعلل أو بعنصري الجنس والفصل، وتجلى رفضه كونه قائم على ميتافيزيقا
يونانية محضة، ولذا فالحد عند الأصوليين عبارة عن تعريف لفظي أو اسمي أو رسم مميز
للحد عن المحدود، وذلك أن الحاد تحكمه التصورات العقدية من جهة واللغة العربية من
جهة أخرى، فالمناطقة العرب يعرفونه "بالقول الشارح" والمتكلمين
الأصوليين يعرفونه ب"التمييز بين المحدود وغيره"
والثاني
قضية البديهيات ووقف عند اثنتين منها الأولى تخص مبدأ عدم التناقض وهذا طرح أرسطي
لا يتناسب مع كثير من القضايا العقدية كمبدأ القدرة الإلاهية التي يجمع الله فيها
بين الاستحالة والإمكان وبين الوجود والعدم، وبين العلم والجهل، وبالتالي يتحطم
قانون عدم الجمع بين النقيضين، أما الثانية فتخص الثالث المرفوع ويعبر عنه بقانون
ارتفاع الواسطة، وقد أخذت المعتزلة به في أصل مرتكب الكبيرة الذي يوصف بالفسق أي
الوسط بين الإيمان والكفر، وقد رفضت أيضا لعدم استجابتها للعقيدة والشريعة
الإسلامية، وهذا يوصل إلى استنتاج أن المناهج الأصولية نشأت وتطورت منهجا داخل
الدراسات الكلامية[14]،
الأمر الذي جعل علم الكلام مع العربية والفقه من الموارد المهمة لعلم أصول الفقه
مادة ومنهاجا" [15].
أصول
الفقه بين جدلية العالم والسلطان من خلال كتاب "الفكر الأصولي وإشكالية
السلطة العلمية في الإسلام"
العلاقة
بين العالم والسلطان علاقة قائمة على الموالاة من جهة وعلى التنافس من جهة أخرى لتواردهما
معا على النص قصد التحليل والتأويل، وقد تأثرت العلوم بذلك نظرا لأن منطلق بعضها
سياسي خاصة ما يخص علم الكلام الذي يرتبط بعلم الأصول ارتباطا وثيقا، ولعل عزوف
كلا من الإمام مالك والإمام الشافعي عن علم الكلام تعبير واضح عن هروبهما من
العالم السياسي وإن كانا دخلاه من جهة الإفتاء ومواكبة أحوال الناس الواقعية، وما
كان تأليف الإمام الشافعي للرسالة إلا ضبطا للبيان من جهة، وضبطا للسلطان من جهة
أخرى، فقد حدد مصطلح الأمر والإجماع وغيرهما.. وذلك لمنع التأويلات والتوظيفات
السياسية[16]، وأما
فترة ما بعد الشافعي فقد ابتدأت بمحاولة احتواء السلطان للعالم حيث سادها التوتر
في مرحلتها الأولى عبر رفض الفقهاء لهذا التقرب، غير أن اتجاه الرفض والاستقلال لم
ينجح إذ انتهى الأمر بالفقهاء إلى الاذعان والتراجع عن موقفهم لسبب العدو الخارجي
أو اتقاء الفتنة ما سهل على السلطان التدخل في تأويل النصوص الشرعية، وقد مثل لبعض
القواعد الأصولية التبريرية المنسجمة مع ظروف الاستبداد كالمصلحة و رفع الحرج
...الخ[17]
، ونتيجة لذلك تقلص دور العالم وأفرز ولاء مزيف خلق ازدواجية في الفكر أدت إلى فشو
الثقافة الفرعية القائمة على العبادات والأحوال الشخصية[18]
، ثم تلت هذه المرحلة مرحلة الإصلاح والتي تم إعمال المقاصد الشرعية فيها وفصلها
عن الأصول بغية إصلاح ما أفسده الفقهاء بمعية السلطان، وقد جعل الشاطبي لذلك
محددات[19]
ر فض من خلالها بعض الممارسات السلطانية كرفضه أن يفصل رجل السلطة بين الممارسة
السياسية والمقاصد، وكل ذلك كان تقويما لما خلفه عزوف الفقهاء عن السياسة وما أدى
ذلك لفتح المجال للسلطة القائمة للتصرف في النصوص الشرعية وتأويلها مع ما ينسجم
وأهدافها، بل فتح المجال أمام القول بإيقاف الاجتهاد الجماعي[20].
مناهج
البحث في الفكر الإسلامي "السبر والتقسيم نموذجا"
الحاجة
إلى منهج السبر والتقسيم[21]
لاستخراج العلل واستنباطها[22]لكونه
مهما في الدراسات النقلية والعقلية على السواء، الأمر الذي أحدث اختلافات بين
الفقهاء في حصر استنباط العلل ومن ذلك اختلافهم في الربا في البر[23]،
وأيضا الاختلاف بينهم وبين المتكلمين على مستوى الموضوع المطبق فيه وعليه، حيث إن
موضوع الكلام العقليات، وموضوع الفقه العمليات، والمنهج في الأول يعتمد على السبر
والتقسيم محصورا بين النفي والإثبات، وإلا اعتبر المنهج ظنيا، والظن لا يفيد علما
في العقليات، وبهذا ينقسم التقسيم إلى قسمين: الأول التقسيم المنحصر وهو الدائر
بين النفي والإثبات[24]،
والثاني التقسيم المنتشر وهو ما لا ينحصر بين النفي والإثبات ويمتاز بخاصيتين:
الأولى أنه يطبق فقط في العمليات، والثانية إفادته للظن[25]،وأما
الاختلاف بين المدارس العلمية في هذا فراجع إلى عدة أسباب نذكر منها:
_منهج
الفقهاء الظني في الفقه عامة.
_اختلاف
الفقهاء على طرق الحذف.
_اختلافهم
على أدلة إثبات قطعية الحصر.
_اختلافهم
على تعليل الحكم بوصفين.
_اختلافهم
على أن يكون الإلغاء بإثبات الوصف المستبقى دون الملغى[26].
ورغم
هذه الاختلافات فقد وضع الفقهاء شروطا للحذف وأخرى للـإثبات ، وأخرى لصحة السبر
والتقسيم، أما التي للحذف فحصروها في:
1.
اطراد العلة.
2.
اقتران العلة بالحكم.
3.
مناسبة العلة للحكم.
4.
الطرد والعكس (الدوران)[27].
وأما
التي للإثبات فقد حصروها في:
1.
موافقة الخصم على
انحصار العلة.
2.
ثبوت الحكمة في محل آخر
بالوصف المستبقى.
3.
تظافر رأي العلماء على
خصائص العلل المستنبطة[28].
وأما
شروط صحة السبر والتقسيم فتتجلى في:
1.
أن يحصل الاتفاق على أن
الحكم معلل بعلة يدركها المجتهد.
2.
أن يكون التقسيم حاصرا
للعلل.
3.
حصول الإجماع على العلة[29].
السكران
بين فهم الخطاب ومشكل التكليف
التكليف
عموما بني على العقل، ولذا شددت المعتزلة في القول بأن العاقل مكلف سواء بورود
الشرع أم بغيره، غير أن الفقهاء لم يقبلوا ذلك منهم، إذ سيصير المعدوم والكافر
مكلفا بذلك، ولم تكن هذه فقط نقطة الخلاف بينهم بل طال إلى المستثنيات من التكليف
عند رفع غياب شرط العقل مثل الصبي والمجنون والناسي والمبنج والنائم... فقد أجمعوا
على استثنائها من التكليف لكن اختلفوا في دراسة السكران فمنهم من ثبت له التكليف
بحكم مخاطبة الله له بعدم قرب الصلاة وهو سكران وأيضا وقوع طلاقه، ومنهم من رفع
التكليف عليه لغياب العقل، وقد توسط بعضهم ورجع إلى حالة السكر فإن كان السكران
منتشيا يميز فيه بين الأشياء فهو مخاطب بالشرع عكس الذي وصل به السكر إلى أن لا
يعقل ثيابه[30]، فقد
تأولوا الخطاب القاضي بالنهي عن الصلاة حالة السكر على ضربين: الأول إن المراد النهي عن السكر حالة إرادة
الصلاة، والثاني إن المراد من السكران الثمل الذي بدت عليه علامة النشاط والطرب
ومازال عقله[31]،
فالحديث عن السكران تتجاذبه عدة أقطاب كانت تحكم النقاش مسبقا، والقصد نظرية توليد
العلم هل النظر يولد علما؟ الأشاعرة والفقهاء يجيبون بالنفي أي الخمر لا يتولد عنه
السكر، بينما المعتزلة يجيبون بالإثبات وبالتالي الخمر يتولد عنه الإسكار ولذا يقولون
بعدم تكليف السكران[32].
الماء
دراسة فقهية
تحدث
عن أقانيم دراسة الماء وحصرها في أربعة: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والمعاجم
والمظان الفقهية، ودعا إلى كتابة تاريخ معاني الألفاظ وتطورها، كما أشار إلى ان
هذه الدراسة ستهتم بالجانب الأصولي ممثلة بالطهارة من حيث الفقه، وهذه قد كانت
مثار خلاف بين الفقهاء يرجع لسببين: الأول القرآن لم يفصل في المسألة بل اكتفى
بالحديث عن صفة الطهارة في الماء قال الله تعالى:" وأنزلنا من السماء ماء
طهورا" (الفرقان 48)، والثاني الحديث أثار كثيرا من القضايا التي تتعلق
بالماء ولكنها متعارضة[33]،
وقد جعلها ابن رشد الحفيد على مجموعتين حيث اعتقد في مجموعة أبي هريرة أنها محمولة
على الكراهة، وفي مجموعة أنس والخدري أنها محمولة على الجواز[34]،
غير أن العجب في أخذ ابن رشد باجتهاد أبي حنيفة في مسألة الوضوء بالنبيذ، وقد
تجاوز الكثير من الأحاديث عند إرادته الجمع بين أحاديث المياه مثل : حديث الوضوء
بماء البحر وحديث النهي عن الوضوء بالماء المسخن بالشمس، وحديث الاغتسال بوضوء
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن بإمكان ابن رشد أن يقول شيئا في مثل هذه
الأحاديث وغيرها دون أن يغير طريقة بحثه، فاقتصاره على التأويل اللغوي ربما لا
يجدي في باب المياه[35]،
ولعل ما يمكن من قراءة تلك النصوص قراءة منهجية دقيقة يلتمس في قاعدة الدوران التي
تصور الحكم مع طبيعة العلة في الوجود والعدم حيث ستفك إشكال تعارض الأحاديث مع
الدين والفكر وفي مقدمتها مسألة الوضوء بالنبيذ[36]،
ومقتضيات تطبيق القاعدة تنحصر في:
قلب
وصف الطهارة المذكور في النص غير المنضبط إلى ما يقوم مقامه من الأوصاف المنضبطة
كالريح واللون والطعم[37].
الانقلاب
على ترتيب الأصول ومحاولة قراءتها بالاجتهاد يكون مدعاة للاعتراض بدعوى التخلي عن
النص لصالح القراءة القياسية لاعتبارات مقصدية أو حكمية كما ادعى القرافي[38].
إنه
ينبغي الاعتقاد أن التغيير يجري على الأشياء عامة والماء على وجه الخصوص[39].
وقد
لاحظ الأستاذ أنه يمكن تعميم القاعدة على كل الأحاديث التي لم تخرج مخرج سبب أو
ظرف من الظروف أو خصوص متعلق بالمشرع[40]،
ولعل الناظر إلى هذه الأحاديث يرى أنها تنقسم إلى مجموعتين:
المجموعة
الأولى: حديث جواز الوضوء بماء البحر وكل ما خرج مخرج سبب معين فهذه خاصة لخصوصية
السبب الذي تعلق بعموم المذكور فيه، فهذه يمكن قراءتها بقاعدة "العبرة بخصوص
السبب لا بعموم اللفظ"[41]
.
المجموعة
الثانية: حديث النهي عن الوضوء بالماء المسخن بالشمس، وحديث عيادة الرسول صلى الله
عليه وسلم لجابر، وحديث اقتتال الصحابة على غسالته، فهذه الأحاديث خرجت مخرج
الاستشفاء والتبرك[42]،
ومنه يمكن استنتاج ما يلي:
أولا:
تمكن الأستاذ من تصنيف هذه الأحاديث تصنيفا آخر يعتمد على الجمع بين ما يمكن الجمع
بينه والتفريق بين ما يمكن التفريق بينه.
ثانيا:
إعادة إحياء قاعدة الدوران هو إحياء لفكرة كونية تتجلى في كل متغير وقد تتجلى في
الكون.
ثالثا:
: إعادة إحياء هذه القاعدة على الرغم من ظنيتها فالحديث وإن صح فهو ظني، والنصوص مهما
سما تفسيرها تبقى ظنية[43].
التصوف
بين القراءة الرمزية والقراءة السياسية من خلال كتاب "خلع النعلين" لابن
قسي
ابتدأ
المقال برفع اللبس عن بعض الاصطلاحات الصوفية وبيان مدلولها وكنايتها كسعاد عن
السعادة والخمر عن الموت[44]،
مع الرد على قراءة المستشرقين للتراث الصوفي وإسقاطه على المركزية المسيحية أو
اليونانية أو الهندية أو الفارسية ومثل على ذلك بالمستشرق دومينيك سورديل[45]،كما
ثمن الدراسة التي قام بها الدكتور محمد الأمراني لمخطوطة ابن قسي[46]،
وأوعز ندرة التأليف والبحث في الصوفية إلى عاملين: الأول كون الفكر الأشعري ليس
مستعدا للتعامل مع التراث الصوفي، والثاني الصراع القديم بين الصوفية والفقهاء نفر
المعاصرين من التعامل مع هذا الفن[47]،
فلقراءة المتن الصوفي وجب الاطلاع على ترميزهم وكناياتهم، ولتحقيق القراءة
السياسية لمؤلفاتهم وجب تحقيق هذه الشروط:
* قراءة المصطلحات
الصوفية الخاصة بالغرب الإسلامي التي تتميز عن مثيلاتها المشرقية.
* قراءة فاحصة لتاريخ
العلوم بالأندلس.
* إعادة النظر في
الكرامات والحكايات والأساطير والخرافات وتأويلها تأويلا ينسجم مع تاريخ ظهورها
السياسي.
* عقد الصلح بين الفقهاء والصوفية.
ختاما
إن الحديث عن المنهج حديث متشعب وذو شجون، غير أن الأستاذ المصطفى الوظيفي حفظه
الله حاول مقاربة عدد من القضايا الشائكة بأداة المنهج الذي يمكن من ضبط الإشكالات
ومحاولة تقديم بعض الإجابات عنها.
[1] مقالات في المنهج ،الدكتور المصطفى الوضيفي.
[2]روضة الناظر وجنة المناظر ابن قدامة المقدسي ص 322.
[3] نفسه ص 323-324.
[5] نفسه ص 12
[6] نفسه ص 13
[7] نفسه ص 14
[9] نفسه ص 15.
[14]نفسه ص 39-40
[16]نفسه ص 43-44.